المرأة كيان إنساني له قيمة وأهمية، ولا يمكن اختزالها أو تقييمها بأسلوب يقلل من شأنها

المرأة كيان إنساني له قيمة وأهمية

نحن نعيش في عصر تتداخل فيه المفاهيم بين ما هو أصلي ومُقلّد، بين ما هو ثمين وما هو رخيص. وأمام هذه الخيارات المتعددة، يبقى السؤال: ماذا تريد أن تكون؟

المرأة كيان إنساني له قيمة وأهمية

قدّر الله لي أن أعيش جزءًا من أيام ما يصفه البعض بـ"الزمن الجميل"، وهي حقبة تجلّت فيها صور مختلفة للعلاقات الاجتماعية. في تلك الأوقات، لم تكن المرأة بحاجة لاتباع أساليب ملتوية لتلفت أنظار الرجال؛ فقد كان الرجل الشرقي بفطرته ميالًا للمرأة، ولهفة اللقاء بها تُعتبر أمرًا نادرًا، إذ كانت المرأة محدودة الظهور في الفضاء العام. وإذا خرجت، كان ذلك وفق قيود وحشمة واضحة، غالبًا تحت العباءة السوداء أو ملابس ساترة.

أستذكر كيف كان الشبان يتجمعون عند مداخل المدارس أو على جوانب الطرق، فقط لعلّهم يظفرون برؤية امرأة عابرة، حتى ولو لمحات خفية من وراء ستور أو أبواب مغلقة. لقد كانت مدينتنا أشبه بمدينة يهيمن عليها الرجال، ولكن ليس لأنها حصرية لهم تحديدًا، بل لأن حضور المرأة كان محدودًا ومقصورًا على أدوار معينة كالعمل في التعليم، قطاع الرعاية الصحية، أو كممرضات ومعلمات.

أما الوصول إلى المرأة بصورة كريمة وشرعية، فلم يكن يتحقق إلا عبر طرق الأبواب وعقد الزواج. فالنساء في تلك الفترة كنّ أشبه بجواهر ثمينة محفوظة، يحظى بها من يلتزم بالمسارات الصحيحة واللائقة. وكان الطلاق نادرًا للغاية حينذاك، وإذا حدث، فإنه يتم مع خجل كبير أمام الله والمجتمع.

ومع مرور الزمن، بدأت تتراكم التحديات التي غيّرت أحوالنا الاجتماعية. أولى تلك التحديات تمثّلت في تأثير التغيرات السياسية والثقافية التي دفعت المرأة للخروج من دائرة الخصوصية والحشمة تحت شعارات الحرية والانفتاح. استخدمت هذه التحولات وسائل عدة لإقناع المرأة بالمطالبة بأدوار جديدة في المجتمع، لكن بعض هذه الأدوار شوّه صورتها وحوّلها إلى سلعة تُعرض علنًا في الإعلانات ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا ظهرت المشكلة الثانية: ما الذي حصل للرجل؟ صار بإمكانه أن يرى المرأة بسهولة عبر شاشة هاتفه المحمول وكأنه في سوق مفتوح. باتت العلاقات بين الجنسين رخيصة ومجانية، بدون التزامات ولا احترام لاستثمارات المشاعر أو القيم. بل إن هذه المستجدات دفعت البعض للتنافس في سلوكيات متحررة بلا ضوابط.

في المرحلة التالية، تحولت المرأة إلى رمز تجاري تُوظف في تسويق المنتجات، دون اكتراث لمكانتها الإنسانية أو لقيمتها الثقافية. بات دورها ينحصر في الإعلانات والدعايات والمساحات التجارية المختلفة، من المطاعم والسيارات إلى أبسط المنتجات اليومية.

ما أسوأ ما يحدث عندما يقبل الرجل بهذا التحول دون إدراك الخطر الكامن خلف هذا الانحدار؟ النتيجة كانت مجموعة من المشكلات الاجتماعية كالارتفاع الحاد في حالات الطلاق وتراجع قدسية الزواج لدى البعض، فضلاً عن تسارع وتيرة العزوف عنه بسبب التكلفة العالية وشروطه المعقدة.

كمثال واقعي يعكس حجم هذه الإشكاليات، كشفت الإحصاءات الأخيرة في المحاكم العراقية عن تسجيل 4827 حالة طلاق شهرياً خلال يوليو 2022 وحده. مثل هذه الأرقام تجسد حجم التحديات التي أصبح المجتمع يواجهها.

في خضم هذه الفوضى، يبقى السؤال موجّهًا إلى النساء: لا تكوني بضاعة رخيصة تُقلّد وتُستغل في زمن تكاثرت فيه السلع وتراجعت فيه القيم الأصيلة.

اضغط على الصورة واحصل على هديتك بمتابعتنا

الفيديو الثالث

avatar
عن المدون: الأسم
نبذة تعريفية تكتب هنا ولحذفها يرجى الدخول للقالب ثم محرر html

0 تعليق