أبي هو مصدر إلهامي، وهو بمثابة الموسوعة الفكرية التي أستمد منها المعرفة والحكمة
بي كان مصدر إلهامي، موسوعتي الفكرية التي استقيت منها معاني الفكر والحكمة. يمتلك الإنسان حاجة طبيعية للبحث عن المعرفة، تبدأ بالسؤال وتستمر حتى الوصول إلى الحقيقة. وكان أبي هو المفتاح الأول الذي فتح لي أبواب هذا الطريق، محفزًا وموجّهًا نحو اكتشاف عوالمها بلا حدود.
أبي هو مصدر إلهامي
نشأت بفطرة فضولية تسائل كل ما حولي، مبهورةً بكل مجهول أمامي مهما كان بسيطًا. ولكن أعظم أمرٍ في هذه الرحلة هو وجود أبي بجانبي، يغذي شغفي للمعرفة ويفتح لي أبوابًا واسعة في موسوعته الغنية. كان يغمرني بأفكاره العلمية والمنطقية الصادقة، بأسلوبه الشيق الذي جعلني أغرق في بحر العلم، دون أن أجدُ فيه نهاية أو ارتواء. كنت أشعر وكأن كل بابٍ من المعرفة الذي أكتشفه يقودني إلى باب جديد، وهكذا استمرت رحلتنا أنا وإخوتي معه نحو استكشاف العلوم المتنوعة.
وجهنا أبي دائمًا نحو ميادين المعرفة المختلفة؛ الدين، العلم، الأدب، التاريخ، وغيرها من المجالات التي أثرت حياتنا في وقتٍ كانت طرق الوصول إلى المعلومات محدودة ولا وجود لما نراه اليوم من الإنترنت. ومع تقدمنا في العمر ونضج أفكارنا، كان يُدربنا على النقاش العلمي بهدف البحث عن الحقيقة المدعومة بالحجج والبراهين. علّمنا أن رجاحة الرأي تنبع من قوة الحجة لا من عمر صاحبه، مقتديًا في ذلك بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم. كان يخلق جوًا عائليًا رفيعًا للنقاش وتبادل الآراء، وأذكر كيف أن رأي أخي الصغير حاز تقدير أبي في إحدى المرات، ما عزز لدينا قيم الحوار والاحترام الفكري.
نجح أبي بغرس بذور المعرفة فينا ورعايتها حتى تحولت إلى أغصان شامخة تبحث عن الحقيقة في فضاءات الحياة المختلفة. واليوم، رغم رحيله جسدًا، لا يزال حاضراً فينا روحاً وقيمًا وذكرياتٍ نابضة، تربطنا بكل جانب من جوانب الحياة. نسأل الله أن يجمعنا به في جنة الفردوس ويرزقنا الاستمرار في حمل إرثه الفكري والإنساني بكل عزٍ وشموخ.
