لا يوجد تعليقات

المنطقة الدافئة فى العلاقات الاجتماعية

المنطقة الدافئة فى العلاقات الاجتماعية

لا يختلف اثنان على أن العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتنا تشهد تراجعاً واضحاً، حيث أصبحت في حالة انحلال مستمر.  

وكما هو معروف، إذا تُركت مشكلة بلا علاج فإنها ستتفاقم وتخلق أزمات أخرى، وهذا ما حدث بالفعل. فقد امتد الوهن إلى الأسرة نفسها، مما أدى إلى تآكل العلاقات بين أفراد البيت الواحد. وأصبحنا نغبط كل أسرة لا تزال تتسم بالتماسك والترابط. ولم يقتصر هذا الوهن على الأسرة، بل وصل إلى الفرد ذاته، حيث بات الإنسان العربي يعيش ازدواجية غريبة. فبينما لدينا مخزون جيد من الأصدقاء والأحباب، إلا أننا في الوقت نفسه نفتقر إلى الثقة بالآخرين.  

 المنطقة الدافئة فى العلاقات الاجتماعية

هذا الانعكاس في الثقة قد لا يكون ناجماً عما ذكر سابقاً فحسب، بل ربما ينبع من جذور أعمق. لذلك نحن هنا لنحاول فهم الأسباب الأساسية وراء هذا التشتت وتحديد واحد من أبرز العوامل: انعدام الثقة بين الأفراد. وإذا أردنا أن نكون واقعيين، فإننا لن نحل المشكلة بالكامل بل نسعى فقط لمعالجة ما يمكن معالجته.  

...  

سييف ستيفنز، الباحث في علم البيانات الذي عمل سابقاً في غوغل، يقول: "الناس يكذبون على أصدقائهم وأحبابهم وأطبائهم بل وحتى على أنفسهم، لكنهم يشاركون غوغل كل أسرارهم العادية والمحرجة، مثل: الزواج الذي يخلو من العلاقة الحميمة، مشكلات الصحة العقلية، الشعور بانعدام الأمان، العنصرية، التوجهات الشخصية وغيرها".  

ومن جهتي اتخذت زاوية أكثر حساسية عبر إجراء استطلاع للرأي على صفحتي في إنستقرام. النتائج جاءت متوقعة: 76% من المشاركين يفضلون الاحتفاظ بأسرارهم وعدم مشاركتها مع أحد. بينما 15% منهم يميلون إلى المشاركة بحذر شديد. أما البقية القليلة، فلم يكن لديهم أسرار من الأصل لأنهم يميلون إلى البوح بكل شيء مع من حولهم.  

أما أسباب الامتناع عن الثقة بالفئة الأولى، فكانت تدور حول عبارات شائعة مثل: "الحياة علمتني ألا أثق بأحد"، "الأقارب عقارب"، "لا أحد يستحق الثقة"، أو "حتى لا أندم لاحقاً".  

إذا دمجنا ما قاله ستيفنز مع نتائج استطلاع الرأي سنجد أن أسباب انعدام الثقة بين الناس يمكن تلخيصها في:  

- تجارب فاشلة تركت أثراً.  

- وجود بديل آخر يتمثل في الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.  

- التأثر الكبير بآراء الآخرين وتجاربهم.  

...  

قبل البحث عن الحلول، يجب أن نتساءل: هل يمكن اعتبار كل حدث أو معلومة بمثابة سر؟ بالتأكيد لا. فكل شخص لديه معايير مختلفة؛ ما أعتبره عادياً قد تراه أنت سراً، والعكس صحيح. وهذا يعيدنا لسؤال آخر: هل كل أسرارنا تستحق فعلاً تصنيفها كأسرار؟ الإجابة قد تبقى مفتوحة لكل فرد على حدة.  

...  

أرى أنه بين الثقة العمياء وانعدام الثقة توجد منطقة وسطى يمكن تسميتها بـ"المنطقة الدافئة". هذه المنطقة لا يغلب فيها الحب العقل ولا العقل الحب، بل هي مساحة لتوازن النفس وترويضها، حيث يتم التقبل والتحلي بالتسامح وإعطاء الفرص. هنا يكمن الحل؛ في تطوير تلك المنطقة وإعادة تنظيم أسسها بين الأفراد، ليتمكن الشخص من إدارة أفكاره ومشاعره بشكل حكيم ومتوازن دون التوجه إلى المبالغة أو التفريط.  

ليس مطلوباً منا البوح بكل الأسرار، لكن أيضاً ليس من الحكمة كبتها جميعاً. فحتى الورقة تصبح أخف إذا حُملت مع شخص آخر. الأهم ليس الحِمل ذاته بل اختيار مع من يحمله. لهذا علينا تقييم حجم السر أو المشكلة أولاً قبل أن نقرر مشاركتها ومع من: أخ، صديق، قريب، والد، والدة، أو حتى الاحتفاظ بها لنفسك وحدك.  

أدرك أن الأمور ليست بهذه السهولة؛ فيها الكثير من التعقيد ولكن الأصعب هو انعدام الثقة نفسها.  

عزيزي وعزيزتي، إذا أردنا الحفاظ على ما تبقى من الروابط الأسرية المتداعية يجب علينا إعادة بناء هذا الجدار الهش. يجب التخلص من أوهام مثالية الرومانسية؛ ليس كل طريق يقود إلى التدمير الداخلي. علينا التخلص من فكرة أن القلوب هشّة كالزجاج وما كُسر لن يعود،

لا يوجد تعليقات

المرأة كيان إنساني له قيمة وأهمية، ولا يمكن اختزالها أو تقييمها بأسلوب يقلل من شأنها

المرأة كيان إنساني له قيمة وأهمية

نحن نعيش في عصر تتداخل فيه المفاهيم بين ما هو أصلي ومُقلّد، بين ما هو ثمين وما هو رخيص. وأمام هذه الخيارات المتعددة، يبقى السؤال: ماذا تريد أن تكون؟

المرأة كيان إنساني له قيمة وأهمية

قدّر الله لي أن أعيش جزءًا من أيام ما يصفه البعض بـ"الزمن الجميل"، وهي حقبة تجلّت فيها صور مختلفة للعلاقات الاجتماعية. في تلك الأوقات، لم تكن المرأة بحاجة لاتباع أساليب ملتوية لتلفت أنظار الرجال؛ فقد كان الرجل الشرقي بفطرته ميالًا للمرأة، ولهفة اللقاء بها تُعتبر أمرًا نادرًا، إذ كانت المرأة محدودة الظهور في الفضاء العام. وإذا خرجت، كان ذلك وفق قيود وحشمة واضحة، غالبًا تحت العباءة السوداء أو ملابس ساترة.

أستذكر كيف كان الشبان يتجمعون عند مداخل المدارس أو على جوانب الطرق، فقط لعلّهم يظفرون برؤية امرأة عابرة، حتى ولو لمحات خفية من وراء ستور أو أبواب مغلقة. لقد كانت مدينتنا أشبه بمدينة يهيمن عليها الرجال، ولكن ليس لأنها حصرية لهم تحديدًا، بل لأن حضور المرأة كان محدودًا ومقصورًا على أدوار معينة كالعمل في التعليم، قطاع الرعاية الصحية، أو كممرضات ومعلمات.

أما الوصول إلى المرأة بصورة كريمة وشرعية، فلم يكن يتحقق إلا عبر طرق الأبواب وعقد الزواج. فالنساء في تلك الفترة كنّ أشبه بجواهر ثمينة محفوظة، يحظى بها من يلتزم بالمسارات الصحيحة واللائقة. وكان الطلاق نادرًا للغاية حينذاك، وإذا حدث، فإنه يتم مع خجل كبير أمام الله والمجتمع.

ومع مرور الزمن، بدأت تتراكم التحديات التي غيّرت أحوالنا الاجتماعية. أولى تلك التحديات تمثّلت في تأثير التغيرات السياسية والثقافية التي دفعت المرأة للخروج من دائرة الخصوصية والحشمة تحت شعارات الحرية والانفتاح. استخدمت هذه التحولات وسائل عدة لإقناع المرأة بالمطالبة بأدوار جديدة في المجتمع، لكن بعض هذه الأدوار شوّه صورتها وحوّلها إلى سلعة تُعرض علنًا في الإعلانات ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا ظهرت المشكلة الثانية: ما الذي حصل للرجل؟ صار بإمكانه أن يرى المرأة بسهولة عبر شاشة هاتفه المحمول وكأنه في سوق مفتوح. باتت العلاقات بين الجنسين رخيصة ومجانية، بدون التزامات ولا احترام لاستثمارات المشاعر أو القيم. بل إن هذه المستجدات دفعت البعض للتنافس في سلوكيات متحررة بلا ضوابط.

في المرحلة التالية، تحولت المرأة إلى رمز تجاري تُوظف في تسويق المنتجات، دون اكتراث لمكانتها الإنسانية أو لقيمتها الثقافية. بات دورها ينحصر في الإعلانات والدعايات والمساحات التجارية المختلفة، من المطاعم والسيارات إلى أبسط المنتجات اليومية.

ما أسوأ ما يحدث عندما يقبل الرجل بهذا التحول دون إدراك الخطر الكامن خلف هذا الانحدار؟ النتيجة كانت مجموعة من المشكلات الاجتماعية كالارتفاع الحاد في حالات الطلاق وتراجع قدسية الزواج لدى البعض، فضلاً عن تسارع وتيرة العزوف عنه بسبب التكلفة العالية وشروطه المعقدة.

كمثال واقعي يعكس حجم هذه الإشكاليات، كشفت الإحصاءات الأخيرة في المحاكم العراقية عن تسجيل 4827 حالة طلاق شهرياً خلال يوليو 2022 وحده. مثل هذه الأرقام تجسد حجم التحديات التي أصبح المجتمع يواجهها.

في خضم هذه الفوضى، يبقى السؤال موجّهًا إلى النساء: لا تكوني بضاعة رخيصة تُقلّد وتُستغل في زمن تكاثرت فيه السلع وتراجعت فيه القيم الأصيلة.